- د. علي أبو ليلة: قيمة الرأس الآدمية عند الأنظمة رخيصة
- بدر محمد بدر: التربية القرآنية هي الحل للخروج من المأزق
- جمال فهمي: الأنظمة قاتلةٌ وفاسدةٌ تحرص على التأخر
تحقيق- محمد أبو العز:
فتحت قضية الطفل اليوناني ملف حقوق الطفل العربي، وجرى على الفور استدعاء حقوق أطفال العراق الذين قُتل منهم الآلاف نتيجة القصف الأمريكي المستمر على الأحياء والمدن، وكذلك حقوق أطفال فلسطين الذين يموتون إما من جرَّاء الحصار ومنع الأغذية والأدوية عنهم، وإما بالقتل المتعمد من قِبل الجنود الصهاينة، ولا تقوم الدنيا لهم وتقعد مثلما حدث مع أليكسندروس؛ ذلك الصبي اليوناني الذي أثار مقتلُه على يد الشرطة اليونانية مؤخرًا انتفاضةَ الشعب اليوناني وخروج الملايين من أبناء الشعب، معبِّرين عن سخطهم وصبِّ جام غضبهم على السلطات في البلاد وإصرارهم على استقالة الحكومة اليونانية؛ مما أثار الكثير من التساؤلات المُفعَمة بالغضب في الشارع العربي ولدى النخب والمثقَّفين.
وفي الوقت الذي تعجُّ فيه الإحصائيات المرعبة بالآلاف من القتلى من الأطفال والصبيان والشباب في العالم العربي، سواءٌ على يد السلطات في بلادنا، مثل حوادث القتل المتعددة على يد الشرطة المصرية، والتي كان آخرها سكب السولار على صبي مصري وإيقاد النار فيه، وإطلاق أعيرة نارية من مسدس ضابط شرطة على شابٍّ فأرداه قتيلاً، ومقتل امرأة حامل على يد ضابط شرطة، وإعطاء ضابط شرطة ولاعة لشاب سائق "توك توك" ليشعل النار في نفسه، و"قتيل شها"..
(إخوان أون لاين) يفتح هذه القضية للنقاش بين أوساط ثقافية عدة ليصل إلى جسر أمان يكشف للجميع: لماذا يحدث هذا وسط صمتٍ أقلُّ ما يوصف به أنه صمت بشع؟ وما هو طريق الحل؟
حقوق مُفتقَدة
في البداية يقول الدكتور علي أبو ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: "إن هذه البلاد يتمتع الإنسان فيها باحترامٍ وحقوقٍ نفتقد أدناها في بلادنا، وليس من سببٍ إلا أن هناك إرادة سياسية ومنظومة ثقافية لدى الحكومة والشعب تحترم هذه الحقوق".
وتساءل أبو ليلة: "ماذا تقول في نظامٍ كلما قتل أبناء شعبه على الطرقات أو في الحرائق لا يفعل سوى أن يُعلن أن من جُرِحَ له 3000 جنيه ومن قُتِلَ له 10000 جنيه؟! والرأس المصرية عند النظام المصري ديتُها وثمنها 10000 جنيه إن أعطاها إياه أساسًا".
ويؤكد أن هناك مليونَيْ طفل في مصر والعالم العربي يتم الاتجار في أعضائهم البشرية، ناهيك عن الأعداد التي تُقتَل في أقسام الشرطة في مصر وعلى الطرقات وغيرها.
وأشار إلى أن أيضًا من الأسباب وراء هذا الاهتمام بمقتل هذا الصبي في أوروبا أنه ينتمي إلى الفئات الضعيفة في المجتمع، مثل الأطفال والنساء والمعوقين وغيرهم، وهؤلاء في هذه المجتمعات لهم حقوق خاصة ومتميزة، ويثور من أجلهم المجتمع، أما عندنا فالمثل الهمجي "اضرب المربوط يخاف السايب" أي اضرب القوي يخاف الضعيف، أو اضرب الضعيف يخاف القوي، وهذه هي قوانين الهمج والاستبداد التي تُطبَّق في مجتمعاتنا من قِبل سلطةٍ همجيةٍ مستبدةٍ لا تعرف للإنسانية حقًّا ولا للمبادئ طريقًا.
ويشدد على أنه لا إصلاح ولا تغيير إلا إذا حدث مثل ما حدث في أوروبا أثناء قيام الثورة الفرنسية، وكانت هناك تضحيات لانتزاع حرية الشعوب وكرامتها.
قهر واستبداد
ويرى الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة أن الأنا وحب الذات استحوذ على أنفسنا وأفرز حالة القهر والاستبداد التي نعيشها تحت مظلة نظام حكم شمولي؛ لا يعرف للإنسان حقًّا ولا للدين واجبًا، والإنسان عند هذا النظام لا ثمن له ولا حق؛ عكس الضمير الأوروبي المستيقظ لحقوقه، ولم يتجبَّس مثل التجبُّس والحالة المزرية التي وصلنا إليها للأسف في مجتمعاتنا.
ويشير إلى أننا كتبنا كثيرًا في حالات انتهاكات حقوق الإنسان، وإذا أردنا أن نحوِّلها إلى دراما فنية لنعبِّر عن حال شعوبنا من خلال الفن، نرى المنع والحذف وكل ما يخطر في بالك من الإجراءات الأمنية المُخزية في بلادنا، أما إذا أراد النظام أن يعبِّر عن إشكاليةٍ تعبِّر عن هواه هو تجده يسرع بالإيعاز إلى كُتَّابه ومنافقيه الساقطين ليكتبوا في مواضيع مثل الإرهاب والجماعات الدينية، ولأن هذه المواضيع لا تعبِّر عن حقيقة موضوعية تسكن في ضمير الكاتب والفنان فإنها تخرج هزيلةً وفي صورة فن رخيص؛ لا قيمة له ولا معنى؛ لأن الرخص والنفاق لا يولِّد إلا أعمالاً رخيصةً وهزيلةً.
وأكد عكاشة إلى أننا- وللأسف- متجبِّسون ومشلولون نتيجة تدخل الأمن المصري في كل صغيرة وكبيرة، وإرهاب الناس؛ ولذلك سنظل متخلِّفين في نظر الغرب، ولن يهتموا بحقوقنا والانتهاكات المستمرة لحياتنا وحقوقنا حتى نخلع أنفسنا من الحالة المزرية التي نعيشها.
ازدواجية وتواطؤ
ويضيف النائب محمد العمدة عضو مجلس الشعب: "أن هناك- أصلاً- خللاً في النظام العالمي، وظلمًا مفضوحًا من هذا النظام، وازدواجيةً في المعايير؛ ففي الوقت الذي تقوم فيه الدنيا ولا تقعد لمقتل صبي يوناني أو مقتل جندي أمريكي أو صهيوني نجد أنه لا يتحرك ساكنٌ من هؤلاء لمقتل أبنائنا في العراق أو في فلسطين، ناهيك عن نظام الفيتو المُقَنَّن أصلاً لمصالح الدول الكبرى التي تضع أيديها على رقاب العالم".
ويشير إلى أننا "يجب ألا ننتظر وقفة من الغرب؛ لأن الغرب له مصالح عند الأنظمة العربية، وهو الذي يشجِّعها على الاستبداد وقهر الشعوب، ويجب أن نسعى إلى إسقاط هذه الأنظمة المستبدة التي انتهكت حقوقنا وجعلتنا عبيدًا وفي ذيل الأمم والشعوب، ولا بد أن يتحرك المثقَّفون لتحريك الشعب للتعبير عن حقه مثل الشعوب الأوروبية التي تعلَّمت منا الحقوق".
عصا غبية
ويرى المهندس حسن الشامي عضو اللجنة العربية لحقوق الإنسان أن الفرد في أوروبا يعتبرونه محور الحضارة، والإنسان هو كل شيء، أما الإنسان عندنا فلا شيء، ولا حق له، والذي أفرز هذه الحالة هو أولاً الأنظمة المستبدة التي تحكمنا بالعصا الأمنية ولا تملك أية وسيلة حوار تتعامل بها مع المجتمع، والشيء الثاني هو ازدواج المعايير التي تتعامل بها الأمم المتحدة والغرب؛ إذ يعتبروننا أمةً لا تستحق سوى القهر والإذلال، وأننا مجتمعات همج، حتى داخل المجتمع الأمريكي نفسه يعتبرون العرب والمسلمين غرباء عن المجتمع.
وأشار الشامي إلى هذا المثل؛ حيث كان السود في أمريكا يُعامَلون نفس المعاملة التي يُعامَل بها العرب والمسلمون من قِبل الغرب، ولكن مع إصرار السود على الحصول على حقوقهم وكفاحهم وتضحياتهم أُجبر الأمريكان على الاعتراف بحقوقهم ومساواتهم بالبيض، بل وصلوا بفضل هذا الكفاح والإصرار إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويؤكد أن هذا النموذج يجب أن نستفيد منه في إزاحة الأنظمة المستبدة والقاتلة عن سدة الحكم، وأن نجبر العالم على الاعتراف بحقوقنا، وأننا امة لها هوية وصاحبة حضارة عريقة، أما دون ذلك فسنظل تحت عِصِيِّ الأمن والسلطة المستبدة في بلادنا، وسنظل محتقرين من قِبل الغرب وغير معترف بنا.
كفاح مستمر
ويقول الكاتب الصحفي بدر محمد بدر إن الإنسان في الوطن العربي والإسلامي يعيش حالةً من الانتهاكات المستمرة لحقوقه الأساسية، وهذا الانتهاك أصبح شيئًا عاديًّا في ظل أنظمة استبدادية وأوضاع معيشية قاسية، أما الإنسان في أوروبا فيحظى بكثيرٍ من الحقوق والحريات التي كافح من أجل الحصول عليها؛ ولذلك حينما يُنتَهك حقٌّ منها فلا بد أن تقوم الدنيا ولا تقعد من أجلها؛ لأنهم تربَّوا على ذلك وجُبلوا عليه.
وأكد أنْ لو يوجد منظومة تربوية قرآنية إسلامية تربَّينا عليها ما انتُهكَت حقوقنا، وما سكتنا عن هذه الانتهاكات، ولن يعود الوطن أبدًا حاميًا للحقوق والحريات إلا إذا عادت إلينا القيم الإسلامية.
ويضيف: "إذا كنا نعوِّل على الغرب وننتظر مساعدته وننتظر منه احترام حقوقنا واستقلالنا وحريتنا؛ فهذا فَهْم خطأ؛ لأن الغرب ينظر إلى نفسه ومصالحه أولاً، كما أنهم يرون أنهم هم الذين يجب أن يتمتعوا بالحقوق والواجبات لأسبابٍ عديدةٍ هم يرونها إما سياسيةً وإما دينيةً وغيرها.
ويؤكد أن "الشعوب الإسلامية التي علَّمت شعوب الأرض الحضارة ومعنى الحقوق يجب أن تنهض لانتزاع حقوقها، ولدينا العقول الفذة التي يمكن أن تقود سفينة هذا الوطن وتصل به إلى بر الأمان؛ ولذلك فالأضواء مُسلَّطة على شعوبنا لجعلها أمةً متخلفةً ومريضةً وتضرب بعصا الحكومات؛ حتى لا تنهض وتظل في غيبوبة التخلف؛ لأن ذلك يصبُّ في مصلحة الاستبداد والاستعمار.
العالم 1000
ويرى الكاتب الصحفي جمال فهمي أن المقارنة بين هذا الحدث وأوضاعنا مقارنةٌ مُخزية، "ولسنا- بتاتًا- عالمًا ثالثًا، بل نحن العالم 1000 بفضل أنظمة حكم مخزية وفاسدة تتعامل مع شعوبها بنظام العصابات الفاجرة والقاتلة".
ويضيف: "إننا في غيبوبة، وهناك بلادة وتيبُّس أمام حالات القتل والانتهاك المُتعمَّد من قِبل أمن نظام فاشستي ظالم".
ويطالب بالإسراع في التحرك من أجل الحفاظ ولو على القليل من أدنى معاني الكرامة أو أدنى الحقوق، ولا يمكن أن تأتيَنا الحقوق ونحن في حالة ثبات ونوم عميق بهذه الصورة المخزية.
وأشار فهمي إلى مقولة أحد مسئولي الغرب لنا أنه "حينما تحرَّك الشعب عام 2005 و2006م وخرج إلى الشارع بدأنا نتحدث عن حقوق هذه الشعوب، أما السكوت فلن يولِّد سوى السكوت، ولن نأتيَ لكم بحقوقكم وأنتم نائمون".
ويتساءل: "أي نظامٍ هذا الذي ننتظر منه إصلاحَ واحترامَ حقوق الإنسان وقد قام بتهريب مَن قتل 1036 من أبناء الشعب في البحر؟!".
مأزق كبير
ويقول الدكتور حمدي والي أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا: "إن الإسلام هو الإنسان، والإنسان هو الإسلام؛ لأن تلك منظومةٌ ومرجعيةٌ حقوقيةٌ إلهيةٌ عادلةٌ، والإنسان أيًّا كان توجُّهُه وعقيدتُه فهو في ثقافة الإسلام له كرامته وحريته ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: من الآية 70)؛ لذلك لا بد أن تسود الثقافة الإسلامية في مجتمعاتنا، بل وفي العالم كله؛ ليكون عالمًا عادلاً؛ ليس به ازدواجية في المعايير، وليس فيه تمييز ولا عنصرية ولا اعتداء على حقوق الآخرين، ودون ذلك لن أجد مخرجًا مما نحن فيه من مأزق وسبق الأمم إيانا".
ويشدد على أن سبب سبق الشعوب الأوروبية إيانا هو ما يتمتعون به من حرية واحترام للحقوق؛ ولذلك فهم يحاولون أن يجرِّدوا أوطاننا من هذه الحرية؛ حتى لا ننهض ونكون دائمًا في ذيل الأمم؛ لينهبوا ثرواتنا وخيراتنا".
الأحد 21 ديسمبر - 9:39
لمرورك اخى الكريم
