معتصم ومؤمن ومنة ثلاثة أطفال أشقاء في عمر الزهور تزين البراءة ملامحهم ،يجذبك إليهم ذكاؤهم المثير للدهشة ، حين تنظر إليهم ترى قدرة الله قد تجلت في خلقهم ، أخوة يكبرهم معتصم ولدوا فاقدين للبصر، لم يستطيعوا أن يمتعوا ناظريهم بجمال الكون من حولهم .
فما زالت أقصى أمنياتهم أن يستبدلوا الظلام الذي كحل عيونهم البريئة بنور يريهم الضوء من حولهم.
كان ذلك في منزل الأطفال الثلاثة الأكفاء، أمهم جالسة في ركن بالقرب منهم تحيك قميص فبادرتني بابتسامة لطيفة ممزوجة بنظرة حزينة لم أدرك معناها إلا بعدما جلست معها وبدأت تسرد معاناتها مع أطفالها قائلة : " لم أدرك يوما أن ثمة مفاجأة تنتظرني إلا حينما وضعت آخر طفل من أطفالي وكان أيضا مكفوفا حينها أدركت حجم المأساة التي حلت بنا .
الإيمان بقدرة الخالق
تعتصر الحسرة قلب الأم الثلاثينية التي تؤمن بقدرة الله، والتي لا يكف لسانها عن شكر الله على هذا البلاء العظيم، لكن ثمة غصة تؤلمها حين ترى أطفالها الأكفاء لا يتمتعون بكامل الصحة، محاولة البعد عن الناس حتى لا تشعر بنظرة الشفقة في عيونهم .
واسترسلت بحديثها "أتعامل مع أطفالي بشكل طبيعي لدرجة أنهم حفظوا طريق البقالة والمخبز حتى لا أشعرهم بالنقص ولم أعد في حاجة لمن يخدمني سواهم" , معتبرة أن عزاءها الوحيد أن أطفالها يتحلون بذكاء حاد.
وقاطعها الأب المكلوم الذي يعتاش على راتب زهيد لا يكفي لسد رمق الحياة الذي ألقى اللوم على المجتمع والمدرسة الذين يفضلون التعامل مع الطفل السليم على الطفل المعاق ,متسائلا "ما ذنب الطفل التي شاءت قدرة الله أن تخلقه بهذه الصورة ".
وليس خفيا -كما يقول الوالد: أن الطفل المعاق يحتاج لراعية واهتمام من قبل الأسرة والمدرسة سويا، حيث يحتاج الطفل المكفوف إلى (جهاز بريل وجهاز ابيكس) ويضيف "أنه حصل بالكاد على مصاحف بلغة بريل نظرا لتكلفتها الباهظة .
الوالدان لم يتعد تعليمهما حدود الثانوية العامة، يواجهان معاناة صعبة خلال تدريسهما لأطفالهما المكفوفين، إذ تعقب الأم بقولها :"المناهج التعليمية صعبة للغاية و لا أستطيع متابعة دروس أطفالي، خاصة أنهم يدرسون على جهاز البريل وأحاول البحث عن مدرسين متخصصين لكن بلا جدوى, وذلك لقلة الإمكانيات وتصل تكلفة المدرس ما يزيد عن مائة وخمسين دولاراً، إلى جانب أجرة السيارة التي من المفترض أن تقل أبنائي معتبرة أن ذلك من واجب المدرسة.
عاجزة
وقد تقف الأم عاجزة عن الإجابة حين يسألها طفلها البكر معتصم ذو العشر سنوات، "لماذا لا أبصر كأولاد أعمامي وأذهب لمدارسهم وأمارس حياتي بشكل طبيعي كباقي الأطفال؟".
ولا تقف المعاناة عن حد معين، خاصة وأن والدي الطفل بدءا يلحظان على طفلهما الأكبر ملامح حالة نفسية أخذت تتسلل إلى داخله جراء تعرضه لموقف أثناء نزوله إلى الشارع، إذ لم يسمح له الأطفال أن يلعب معهم لكونه كفيفا مما جعله انطوائيا.
وتروي الأم موقف واجهها حينما ذهبت لتتسوق لإحضار ألعاب تتناسب وأطفالها المكفوفين لكنها لم تجد ما يناسبهم مما دفعها لجلب الألعاب البسيطة والعودة إلى المنزل واستمرت تسأل في المؤسسات المعنية بشأن المعاقين إلا أن اهتدت لشركة سوختيان للأجهزة الطبية وفي هذه المرة أيضا باءت بالفشل نظرا للحصار المفروض على القطاع منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة منتصف حزيران من العام الماضي.
ولعل الأطفال يحتاجون إلى ما يقضون به وقتهم فلا تجد الأم سوى أن ترسلهم إلى المسجد لعلهم يتلقون ويحفظون القرآن الكريم الذي سيحفظهم من كل سوء .
ولا تأل الأم جهدا في رعاية أبنائها، حيث تتابع البرامج التلفزيونية المتعلقة بالمعاقين، وتحاول محاكاة الرعاية الموجهة للمكفوفين لتعويضهم عن النقص ودمجهم بالمجتمع المحيط بهم خلافا لحال المؤسسات المعنية بالمعاقين في قطاع غزة.
نداء عاجل
ويطالب الوالدان البائسان، الحكومة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والأهلية بدعم المؤسسات الراعية لهذه الفئة لتوفير الإمكانيات اللازمة لتهيئة الوسائل الضرورية لهم .
ويبقى حال معتصم وإخوانه حال الكثيرين من الأطفال المكفوفين الذين حرموا حتى من أدنى حقوقهم، كحقهم في حياة كريمة ودمجهم بالمجتمع, لعلهم يفيدوا المجتمع بما أنعم الله عليهم من ذكاء حاد.
وفي هذا الشأن قال حسام مناع رئيس برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية أن مركز النور يقدم خدمات تعليمية وتأهيلية للأطفال حتى السن السادس الابتدائي بالإضافة لوجود روضة في المركز وهدفها تأهيل الأطفال للدخول في المرحلة التعليمية الابتدائية ومساعدتهم على التأقلم مع هذه المرحلة في حال بلوغهم للسن السادسة من عمرهم .
وأضاف مناع "نساعد الطالب على التكيف مع إعاقته بالإضافة إلى دمجه في المدارس التابعة للأونروا أو مدارس السلطة الفلسطينية بعد مرحلة السادس الابتدائي حيث يتم متابعة هؤلاء الطلاب بعد دمجهم في المدارس العادية من خلال مدرسين متخصصين .
وحول طبيعة الأنشطة التي يمارسها الأطفال المعاقون بصريا أوضح مناع نقوم بتعليمهم بعض الحرف اليدوية منها حرفة العمل بالخيزران وحرفة التطريز وهذا يساعدهم في التعلم حرفة معينة لإدرار بعض الدخل لهم ولأسرهم بعد ذلك .
مستلزمات المكفوفين
وبالنسبة للأجهزة التي تلزم المعاقين بصريا قال مناع بالنسبة للطلاب في المركز يجب أن يتوفر أجهزة الطباعة بريل وهي اللغة التي يتعامل بها المكفوفين بالقراءة وهناك وحدة لقياس النظر وقدرة الطالب وهي موجودة في المركز وهناك معمل كمبيوتر وفيه برامج خاصة لتعليم عن طريق الكمبيوتر للمعاقين بصريا وهناك أدوات تعليمية أخرى تتناسب مع المعاقين بصريا .
اعتبرا أن توفرها نوعا ما مرضي لكن كثير منها يلزمه تجديد وتحديث ومواكبة مع التكنولوجيا العصرية ولكن نظرا لأن الإمكانيات المادية محدودة للأونروا تجعل من إمكانية التطوير المستمر لهذه الأدوات ليست سهلة .
وحول مشكلة توفير ألعاب لذوي الإعاقة البصرية قال مناع هذه المشكلة يعاني منها جميع أطفال قطاع غزة وهذا ناتج عن مستوى الفقر المرتفع مابين الأسر الفلسطينية بشكل عام وخاصة في قطاع غزة ، فالأسر غير قادرة على توفير ألعاب لأطفالهم بشكل عام وهذا ينطبق على الأطفال ذو الإعاقة البصرية ، بالنسبة للأونروا نظرا للأزمة المالية التي تواجها لا تسمح بان تقدم كل ما يلزم اللاجئين الفلسطينيين ومنهم أصحاب الإعاقات البصرية ولكن بقدر المستطاع تقوم بتوفير الأشياء الأكثر لزوما واحتياجا حسب الإمكانيات المادية ،ذكر مناع بعض الأحيان تأتي مساعدات عينية للأونروا سواء كانت غذائية أو ملابس أو حتى الألعاب ويتم توزيعها على أبناء اللاجئين وبشكل خاص أطفال مركز النور.
عاصفة الاحزان بنت فلسطين مبدعين
عدد الرسائل : 1464 العمر : 32 الجنس : الأوسمة : مزاجى : تاريخ التسجيل : 09/11/2008