كما أنَّه على مستوى أنشطة النواب الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي، يُلاحظ أنَّهم في الأغلب هم من يتبنَّون مشروعات القوانين الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان، ومن بينها قانون تقدم الديمقراطية الصادر قبل أربع سنوات ومشروعات القوانين الخاصة بحقوق الإنسان في مصر؛ التي تطالب بتقليص المعونات العسكرية أو إلغاء المعونات المقدمة إلى مصر؛ بسبب سجلِّ النظام في مجال حقوق الإنسان، أو مطالب محدَّدة للأمريكيين في شأن الحالة القبطية في مصر.
ويحرص الديمقراطيون على أنْ يضعوا في الواجهة معهم بعض النواب الجمهوريين؛ كي يبدو الأمر أمام الرأي العام الداخلي والخارجي على أنَّ تلك هي مطالب الأمة الأمريكية ككلٍّ، وليس مطالب فصيل واحد فيها، ومن بين هؤلاء النواب توم لانتوس وفرانك وولف وأرلين سبكتر.
ومن هنا فإنَّ التقرير الجديد يكتسب أهميةً قصوى، مع وجود إدارة بهذه الطبيعة وهذه الخلفيات وراء آليات تنفيذ ما ورد في التقرير الجديد من توصيات.
التقرير ومشكلاته
بدايةً لاحظ التقرير وجود 3 محاور رئيسية لممارسات حقوق الإنسان في العالم في العام 2008م، وهي:
1- تزايد الاهتمام أو ما أسماه التقرير بـ"الطلب العالمي" على قدرٍ أكبر من الحريات الفردية والسياسية.
2- وجود جهود حكومية أكبر من سابقتها في العام 2008م لدفع هذه الحريات الى الوراء.
3- التأكيد على "حقيقةٍ تاريخيةٍ أمريكيةٍ"، وهي أنَّ حقوق الانسان "تزدهر على أفضل وجهٍ" في الديمقراطيات التي تشارك في عملها منظمات المجتمعات المدني.
وركَّز التقرير في تقييمه السلبي على أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، أو المنطقة التي تسمَّى في العرف الجيوسياسي الأمريكي باسم منطقة "الشرق الاوسط وشمال إفريقيا"؛ حيث أكد التقرير أنه لا يزال هناك "تحديات جدية مستمرة لترويج الديمقراطية في هذه المنطقة، إلا أنه أشار إلى وجود بعض التقدم كما في العراق، وهو أمرٌ مفهومٌ بطبيعة الحال في ظل كون الولايات المتحدة هي التي تسيِّر الأوضاع في العراق.
أما عن مصر فإنَّ التقرير ركَّز في انتقاداته على الآتي:
1- الاستمرار في وضع قيود أمام حركة الإصلاح السياسي والتقدم الديمقراطي.
2- وجود المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في التعبير عن رأيه.
3- الاستمرار في اعتقال الناشطين الحقوقيين والسياسيين، وكذلك الصحفيين بسبب أفكارهم.
4- وجود قيود كبرى على الإعلام؛ بما في ذلك المدونات الإلكترونية.
5- وجود قيود على الحريات الدينية؛ في إشارة إلى أوضاع الأقباط في مصر
وقال التقرير: إنَّ هناك حالةً من التمييز الاجتماعي والقانوني في مصر ضمن أوضاع عامة موجودة في المنطقة، كما ندَّد التقرير باستمرار حالة الطوارئ في مصر واستخدام أجهزة الأمن ما وصفه التقرير بـ"أسلحة قاتلة ووسائل التعذيب في مواجهة المعتقلين والسجناء".
وبالرغم من أنَّ التقرير لم يُشِر إلى ذلك صراحةً؛ فإنَّ المحاكمات العسكرية التي جرت لقياداتٍ من جماعة الإخوان المسلمين وكذلك لبعض قيادات المعارضة مثل مجدي حسين الأمين العام لحزب العمل تدخل في نطاق التمييز القانوني هذا.
ويعدُّ تجاوز التقرير عن المحاكمات العسكرية التي جرت لأربعين من قيادات الإخوان وبعض رموز المعارضة أحد أبرز نقاط القصور فيه، والتي تعبِّر في الواقع عن الانتقائية القائمة فيه كما سبق القول.
وبشكل عامٍ أشار التقرير إلى أنَّ أوضاع حقوق الإنسان شهدت خلال العام 2008م تدهورًا ملحوظًا في مصر، بجانب بلدانٍ أخرى مثل موريتانيا وإيران والصين وإريتريا والكونغو الديمقراطية وزيمبابوي وأرمينيا وسيريلانكا وكوبا وفنزويلا.
بينما ذكر أنَّ مجالات حقوق الإنسان شهدت تحسنًا في كلٍّ من العراق وتايلاند وبنجلاديش وكولومبيا وجواتيمالا، بينما قال إنَّ بورما وروسيا البيضاء وكوريا الشمالية وتونس وأوزباكستان لا تزال تشهد ما وصفه بـ"انتهاكاتٍ منهجيةٍ" لحقوق الإنسان.
وفيما يخص أبرز بلدان عالمنا العربي والإسلامي قال التقرير: إنَّ إيران وليبيا وسوريا تستمر في إجراءات حبس الناشطين الحقوقيين والسياسيين وكذلك الصحفيين، وركَّز التقرير على إيران، وقال إنَّ طهران تعتقل وتضطهد "باستمرار" الناشطين في مجال حقوق المرأة والنشطاء من الطلبة في البلاد، كما اتهم السلطات بالتضييق على مؤسسات المجتمع المدني.
أما في مجال الحريات الدينية فقد سلط التقرير الضوء على قيام السلطات الإيرانية باعتقال سبعة من زعماء المذهب البهائي في البلاد، كما ركَّز- للغرابة- على إنكار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وجودَ الكيان الصهيوني، وذلك كلون من ألوان انتهاك الحريات الدينية!.
ومن بين الأمور السياسية التي ركَّز عليها التقرير في العالم العربي والإسلامي قانون النقابات الجديد في الأردن، والذي تنتقده المعارضة الأردنية بسبب إعطائه الحكومة الحق في حلِّ أي مؤسسة نقابية ورفض تسجيل المؤسسات الخيرية لأي سبب من الأسباب.
أما في السودان فقد استمر التقرير في اتهام الحكومة السودانية بمواصلة دعم ميليشيات الجنجويد التي يتهمها الغرب بالمسئولية عما يصفه بـ"مجازر" دارفور، كما اتهم التقرير الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد بالمسئولية عن مصرع وتهجير "مئات الآلاف" من المدنيين في إقليم دارفور المشتعل غربي السودان، مع دخول الأزمة هناك لعامها الخامس.
اللافت أنَّ التقرير أشار أيضًا إلى معتقل جوانتنامو؛ حيث لا يزال هناك 245 معتقلاً من جنسياتٍ مختلفةٍ منذ سنواتٍ دون محاكمةٍ؛ باعتباره أحد مظاهر انتهاك حقوق الإنسان في العالم، إلا أن التقرير أشار إلى توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرارًا تنفيذيًّا فور تنصيبه رئيسًا بإغلاق هذا المعتقل في غضون عام.