وتغرق غزة في ظلام دامس منذ أكثر من شهر بشكل شبه يومي، وازدادت الأمور سوءا بعد انتهاء التهدئة ، وما أعقبها من تهديدات إسرائيلية بتوجيه عملية عسكرية ضد القطاع، وأصبحت الحياة مأساوية بالنسبة لاحتياجات المواطنين من الكهرباء.
وتعالت الأصوات المناشدة بإعادة أساسيات الحياة الكريمة للقطاع وسكانه الذين يربو عددهم عن المليون نسمة بنصف آخرين، غير أن المشكلة ما زالت قائمة.
أما الطالب مروان شرير فوثب متخطيا هذه المشكلة بشرائه " مصباح كيروسين"، مما تجلبه الأنفاق من بدائل بصورة متتابعة، ويصف شرير القراءة على ضوء الكيروسين بالسيئة للغاية فالرائحة تزكم الأنوف ، بالإضافة إلى نورها الباهت الذي يؤذي العينين.
ويفضل شرير مصباح "الشمبر" الذي يتميز بإضاءة جيدة، ولكنه لا يستطيع تعبئة أسطوانة الغاز الذي أصبح الحصول عليها حلم لكل مواطن في القطاع.
وتأبى والدته أم شادي إشعال الشموع داخل منزلها خوفا من احتراق أثاث المنزل، خصوصا مع أجواء الشتاء العاصفة التي تذكرها بحرق طفلة جارتها قبل ثلاثة أعوام، عندما انزلقت الشمعة إلى سريرها، وحرقت أجزاء كبيرة من غرفة نوم والديها.
وبخصوص غاز الطهي فلا زالت الأزمة تراوح مكانها منذ شهرين على الأقل ، وما سمحت "إسرائيل" بإدخاله لا يتعدى عشر احتياجات المواطنين، مما دفعهم إلى اللجوء إلى أفران الطين.
ويضطر الطفل محمد (12 عاما) للخروج بحثا عن الأغصان الجافة والكرتون أمام توسلات والدته، ويجوب محمد الشوارع، والطرقات بحثا عن ضالته يرافقه مجموعة من الأطفال، التي أصبح جمع الحطب مهنة جديدة لهم، ويصف محمد تلك المهنة بالشاقة فهو يسير مسافات طويلة ترهقه وتشغله عن دراسته.
وفي وسط تلك الأزمة لجأ البعض للبحث عن وسائل للتكيف مع ما يصفونه بالمستحيل ، فالمواطن أبو علاء البيوك الذي يبلغ عقده السادس أخرج بابوره النحاسي القديم وقام بإصلاحه، وقال بصوت علا على صوت البابور المرتفع: البابور أسرع لي من الغاز ولن يكلفني كثيرا سوى بعض الليترات من الكيروسين الذي يتواجد بصورة مستمرة في الشوارع .
واستطاعات الأنفاق الحدودية أن تمتص غضب المواطنين وويلاتهم وتقدم لهم بدائل العصور البدائية، وبأسعار خيالية، في وقت انقطعت به فرص العمل، فالأسواق تكتظ بالبوابير المصرية ذات الأنواع المختلفة، ومصابيح الكيروسين والمصابيح الضوئية.
واستطاعت أزمة الكهرباء ونفاد غاز الطهي أن توصد نصف مخابز القطاع التي تصل الى 50 مخبزا، فعلى باب مخبز اليازجي في حي الزيتون اصطفت طوابير طويلة من المواطنين للحصول على بعض الأرغفة في ظل اختفاء الدقيق من الأسواق وغلائه بدون رقيب.
مما لاشك فيه أن حياة الغزيين تنزلق نحو الهاوية، فالمناشدات الدولية والحقوقية لم تجد نفعا أمام الغطرسة الصهيونية التي حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، والسؤال الذي بات يقلق الجميع هل ستتزايد الوسائل البدائية خلال الأيام القادمة؟!