عشية وضحاها تحولت عشرات المنازل في مخيم رفح إلى أكوام من الركام، وفجعت مئات العائلات إما بفقد أبنائها، أو بعجزها عن توفير مأوى، وانشغل المئات في البحث عن حاجياتهم وأثاث منازلهم المدمرة من تحت الركام.
وكان حي السلام القريب من الحدود المصرية الفلسطينية جنوبي شرقي محافظة رفح على موعد مع فجائع لم تترك أحدا إلا وطالته.
فالحي المسالم الهادئ، أمطر بحمم من الطائرات، وسماؤه انهالت منها الحجارة والأتربة، وأطفاله فزعوا من نومهم، وصراخهم ملأ الشوارع.
وربما كانت فاجعة عائلة البرنش من أفظع الفجائع، فأفراد العائلة القاطنون قرب الحدود المصرية الفلسطينية، فزعوا على أصوات الانفجارات الهائلة، التي دوت على مقربة من منزلهم، وسارع أفراد العائلة إلى مغادرة المنزل، للنجاة بأرواحهم، إلا الجد سالم "60 عاما".
ويقول محمد أحد أفراد العائلة "دخلت على جدي في غرفته، فوجده يصلي، فطلبت منه قطع الصلاة والمغادرة فلم يجبني، واضطررت للانتظار، وحين انتهي اخبرني برفضه المغادرة".
وأشار إلى أنه حاول إقناعه فرفض بشدة قائلا "لن أكرر خطأ أبي في العام 1948"، لافتا إلى أنهم وبعد محاولات مضنية لإقناعه، اضطروا للمغادرة، قبل أن يعود ويكمل صلاته.
وأوضح محمد أنهم ابتعدوا عن المنزل نحو مائتي متر، قبل أن يسقط صاروخ على المنزل ويحوله إلى ركام.
وعلى الفور سارعت فرق من الدفاع المدني، ومتطوعين، وبعد جهد انتشلوا سالم من تحت الركام جثة هامدة، وبدأت العائلة تبحث عن مأوى لها، فلم تجد سوى المدارس، رغم خطورة تواجدهم فيها.
أما أبناء المواطن صبحي برهوم، فانهمكوا في البحث عن حاجياتهم وكتبهم الدراسية بين ركام منزلهم، الذي قصف في الغارات على جنوب رفح.
وفجأة صرخ علاء "15 عاما"، وبدأ ينادي على أشقائه، لمساعدته في رفع الحجارة، وإخراج ملابسهم وأحذيتهم من تحت الركام.
وبعد جهد كبير وبمعاونة بعض المتطوعين، أخرج الأبناء بعضا من ملابسهم، وأحذيتهم لكنها كانت ممزقة، ومعبقة برائحة الموت والبارود.
ويقول صلاح أحد هؤلاء الفتية "غادرنا المنزل قبل قصفه بدقائق، لم نستطع إخراج شيء من حاجياتنا، وها نحن أصبحنا بلا مأوى".
وتابع صلاح يقول "حتى الطيور لم تسلم من شرهم، فالدجاج والحمام الذي كنا نربيه نفق".
أما المواطن محمد عمر فبدا منشغلا في البحث عن حاجيات أبنائه بين ركام منزله المدمر، يساعده بعض جيرانه.
ويقول عمر وهو الناجي الوحيد من بين أفراد عائلته "أحاول جمع ملابس وحاجيات أبنائي من بين الركام، ليجدوا ما يرتدونه عند مغادرتهم المشفي في حال تم شفاؤهم".
وتابع يقول "أبنائي الثلاثة وزوجتي متواجدون في مستشفى النجار، أحدهم أصيب بكسور، والآخرون برضوض وخدوش، وقد طمأنني الأطباء على صحتهم، لكني حزين على جيراننا، الذين أصيب معظمهم بجروح بالغة الخطورة، جراء الغارت الكثيفة التي استهدفت منطقة سكننا".
ويقول زهير عبد الحميد وهو يعمل ضمن فرق الإنقاذ "لم نر منذ بدء العدوان مشهدا كهذا، فعشرات البيوت كانت مدمرة، ورائحة الموت كانت تنتشر في كل مكان، فقد انتشلنا جثة من بين الركام، كما أبلغنا مواطنون عن وجود عدد كبير من المفقودين، لازلنا نبحث عنهم، كما استغرق إخلاء الجرحى من المكان وقتا طويلا".
وتابع عبد الحميد يقول "بإجماع زملائي فإن القنابل والصواريخ التي أسقطت على المخيم كانت الأكبر منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع".
وقدر عبد الحميد عدد البيوت المهدمة كليا بأكثر من 40 ، مضيفا أن نحو 60 منزلا هدمت بشكل جزئي ولحقت بها أضرار بالغة.
من جانبهم أكد أطباء عاملون في مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار برفح، أن معظم الإصابات التي وصلت المشفى كانت جراء تطاير الحجارة والشظايا من الصواريخ التي أطلقت تجاه المخيم.