[size=21]بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم﴿ الاحتفال بمولد النبي المصطفى سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ﴾الزمان والمكان ظرفان حكمهما حكم المظروف فيهما فإذا كان شريفاً شرُفا به وإذا كان وضيعاً وضعا به ، والقرآن الكريم والحديث الشريف يدلان على ذلك : ففي القرآن الكريم حكاية عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾{مريم:31} فالنص دالٌ على أنه بركة على الزمان وعلى المكان .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في بيان فضل يوم الجمعة : ﴿ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾{صحيح مسلم برقم:1411 عن أبي هريرة رضي الله عنه} فاكتسب يوم الجمعة فضيلة على غيره من الأيام لهذه المزايا ومنها أنّ سيدنا آدم عليه السلام خُلق فيه .
ومثل ذلك يوم الاثنين فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صومه له : ﴿ ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ ﴾{صحيح مسلم برقم:1977 عن أبي قتادة رضي الله عنه} فجعل له فضيلة على غيره من الأيام لكونه ولد فيه وأنزل عليه القرآن .
وأما الأمكنة فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام قال : ﴿ اللهم زد بيتك هذا تشريفا ، وتعظيما ، وتكريما ، وبرا ، ومهابة ، وزد من شرفه ، وعظمه ممن حجه أو اعتمره تعظيما ، وتشريفا ، وتكريما ، وبرا ، ومهابة ﴾{المعجم الأوسط للطبراني برقم:6311 عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاري رضي الله عنه} فالكعبة تشرُف بأقوام كما تشرِّف أقواماً آخرين .
وقد أجمع العلماء على أن أشرف مكان في الأرض وفي السماء هو المكان الذي ضم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقاس عليه الزمان فيكون أشرف الأزمنة الزمان الذي كان فيه الحبيب المصطفى من يوم مولده إلى يوم انتقاله إلى جوار ربه .
أما اتخاذ يوم مولده الشريف يوم طاعة وشكر لله تعالى فهو مأذون به في القرآن والحديث :
1* في القرآن الكريم قال تعالى : ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾{يونس:58} وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : فضل الله العلم ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم .
2* قال الله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام عندما دعا الله تعالى لينزل على قومه مائدة من السماء : ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ﴾{المائدة:114} وسمي العيد عيداً لما لله تعالى من عوائد الإحسان ، فهل يكون إنزال مائدة من السماء واتخاذ يومها عيداً أعظم من ولادة سيد الوجود محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ؟
فإذا جاز اتخاذ ذلك اليوم عيداً لحدوث آية إنزال المائدة فمن باب أولى اتخاذ يوم ولادة النبي المصطفى عيداً لأنه أعظم آيات الله تعالى الخلقية على الإطلاق .
3* وأما الحديث فقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ يوم مولده يوم عبادة بالصوم شكراً لله تعالى وهذا تشريع منه لأمته أن يتخذوا يوم الاثنين يوم عبادة وشكر لله تعالى على هذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة .
4* لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن سبب صومهم فقالوا : هذا يوم أنجى الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام وأغرق فيه فرعون فنحن نصومه شكراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ﴿ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ﴾ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ﴿ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ﴾{صحيح البخاري برقم:1865} .
وهذا تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم لاتخاذ الأيام التي حصل فيها آية من آيات الله يوم عبادة وشكر لله تعالى .
ثم إن علماء الأصول قرّروا أن الأمور بمقاصدها ، فإذا كانت المقاصد مشروعة والوسائل إليها مباحة لا يُمنع منها ، وإنّ المقصد من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو تجديد المبايعة للنبي صلى الله عليه وسلم في إحياء سنته والعمل بهديه والتخلق بأخلاقه ونصرة شريعته ، وكل ذلك أمرنا به في الشرع فالاجتماع عليه للتواصي به يكون مأموراً به في الشرع .
وإنّ محبة النبي صلى الله عليه وسلم بها يكون كمال الإيمان لقوله في الحديث : ﴿ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾{صحيح البخاري برقم:14 عن أنس رضي الله عنه} فإذا كانت محبته واجبة فكل ما يوصل إليها من الوسائل يكون واجباً لوجوبها ، ومن ذلك الاجتماع على قراءة سيرته العطرة وشمائله الكريمة ومدحه وإكثار الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم .
وإن أقواماً اليوم يدعون الناس إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويهملون جانب المحبة والتعظيم له وهذا نقص منهجي لا بد من تداركه لأنه لا محبة بلا اتباع ولا اتباع بلا محبة ، وقد قال الله تعالى في اتباعه : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾{آل عمران:31} وقال في محبته ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾{التوبة:24} وقال في تعظيمه : ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾{الفتح:9} فتبين وجوب هذه الأشياء كلها والاهتمام بها جميعها على السواء وهذا هو الكمال المنهجي العلمي والدعوي الذي ينبغي أن يكون الصادقون عليه وبالله التوفيق .
وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه سيدنا محمد بن عبد الله
يوم ولد ويوم انتقل إلى جوار ربه ويوم يبعث حياً
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
[/size]