طلب الكف عن الفعل الخاطئ :
من الاهمية بمكان إيقاف المخطئ عن الاستمرار في الخطأ حتى لايزداد سوءاً ، وحتى يحصل القيام بإنكار المنكر ولايتأخر .
عن عمر أنه قال : لا وأبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه إنه من حلف بشئ دون الله فقد أشرك .
(( مه )) كلمة زجر وانكار بمعنى : اكفف .
وروى أبو داود في سسننه عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اجلس فقد آذيت .
وروى الترميذي عن ابن عمر قال : تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كف عنا جشاءك ف‘ أكثرهم شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة . ففي هذه الأحاديث الطلب المباشر من المخطئ بالكف والامتناع عن فعله.
إظهار الغضب من الخطأ :
إذا رآه أو سمع به وخصوصاً عندما يكون الخطأ متعلقاً بالاعتقاد ومن ذلك الخوض في القدر والتنازع في القرآن : ففي سنن ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقا في وجهه حب الرمان من الغضب . فقال : بهذا أمرتم أو لهذا خلفتم تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم قال : فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه .
وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة : خرج رسول الله على أصحابه وهم يتنازعون في القدر ، هذا ينزع آية وهذا ينزع آية فكأنما سفي في وجهه حب الرمان فقال : ألهذا خلقتم أم بهذا أمرتم لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه .
ومما حصل من غضبه صلى الله عليه وسلم إنكارا في مسألة من الأساسات ما حصل في قصة عمر رضي الله عنه في قضية مصدر التلقي ، فقد روى أحمد رحمه الله تعالي في مسنده عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتي النبي صلى الله عليه وسلم كتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه ! النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا يتبعني .
وقد روى الحديث أيضاً الدارمي رحمه الله تعالي عن جابر أن عمر بن الخطاب أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخه من التوراة ووجه رسول الله هذه نسخه من التوراة فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير . فقال أبو بكر : ثكلتك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً . فقال رسول الله والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ولو كان حياً وأدرك نبوتي لا تبعني .
عتاب المخطئ :
كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه حينما علم أنه أرسل إلى كفار قريش يخبرهم بنية المسلمين في التوجه إلى مكة لفتحها فإنه قال له : ما حملك يا حاطب على ما صنعت قال : ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله وما غيرت ولا بدلت أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله به عن أهله وماله ، قال : صدق فلا تقولوا له إلا خيراً ، قال فقال عمر بن الخطاب : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه ، قال : فقال :يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، قال : فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله اعلم .
وفي هذه القصة عدد من الفوائد التربوية العظيمة:
1- معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي المخطئ خطأ بالغاً بقوله له : ما حملك على ما صنعت .
2- الاستعلام عن السبب الذي دفع بالمخطئ إلى الخطأ وهذا لا شك سيؤثر في الموقف الذي سيتخذ منه.
3- أن أصحاب الفضل والسابقة ليسوا معصومين من الذنب الكبير.
4- أن على المربي أن يكون واسع الصدر في تحمل أخطاء أصحابه ليدوموا معه على المنهج السوي فالغرض إصلاحهم لا إبعادهم .
5- أن على المربي أن يقدر لحظه الضعف البشري التي قد تمر ببعض القدامي .
6- المدافعة عمن يستحق الدفاع عنه من المخطئين .
7- أن المخطئ إذا كانت له حسنات عظيمة سابقة فلابد أن تؤخذ بالاعتبار عند تقويم خطئه واتخاذ موقف منه .
لوم المخطئ :
الخطأ الواصخ لا يمكن السكوت عليه ولابد من توجيه لوم وتأنيب إلى المخطئ بادئ ذي بدئ ليحس بخطئه .
روى البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفاً من الخمس ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن تحل معي ، فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي ، فبنا أنا أجمع لشار في متاعاً من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار رجعت حين جمعت ما جمعت، فإذا شارفاي قد اجتب ( جب أي قطع ) أسنمتهما وبقرت ( بقر أي شق ) خواصرهما ، وأخذ من أكبادهما ، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما ، فقلت : من فعل هذا ؟ فقالوا : فعل حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار ، فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة ، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ي وجهي الذي لقيت ، عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما ، وبقر خواصرهما ، وهاهو ذا في بيت معه شرب ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي ، واتبعته أنا وزيد بن حادثه حتى جاء البيت الذي فيه حمزة ، فاستأذن ، فأذنوا لهم ، فإذا هم شرب فطفق ( شرع وبدأ ) رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل ، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه ،فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ، ثم قال حمزة : هل أنتم إلا عبيد لأبي . فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل ( أي سكر ففقد رشده ) ، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى وخرجنا معه ، وهذه القصة قبل تحريم الخمر.
إقناع المخطئ :
إن السعي لمناقشة المخطئ بغية إقناعه يؤدي إلى إزالة الحاجز الضبابي الذي يعتري بصيرته فيعود إلى طريق مستقيم ، ومن أمثلة ما ورد في السنة بشأن هذا مارواه الطبراني رحمه الله تعالي في معجمه الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه أن غلاماً شاباً أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال يا رسول الله ائذن لي في لزنا فصاح (به ) الناس .فقال ( النبي صلى الله عليه وسلم ) : مه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقروه ، ادن .فدنا حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتحبه لأمك ؟ قال : لا . قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم . أتحبه لابنتك ؟ قال : لا . قال : وكذلك الناس لا تحبونه لبناتهم . أتحبه لأختك ؟ قال : وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم . أتحبه لعمتك ؟ قال : لا . قال :وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم . أتحبه لخالتك ؟ قال : لا . قال : وكذلك الناس لا يحبونه لخالا تهم . فوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال : اللهم كفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه .
إفهام المخطئ بأن عذره الزائف غير مقبول :
يحاول بعض المخطئين تقديم مبررات مختلفة وغير مقبولة ، وخصوصاً إذا انكشف أمرهم بغتة على حين غرة منهم ، بل قد يبدو على بعضهم التلعثم وهم ينطقون بالعذر الزائف وخصوصاً الذين لا يحسنون الكذب لنقاء في سرائرهم . فكيف يتصرف المربي يا ترى إذا صادف مثل هذا الموقف من أحد المخطئين ؟ إن القصة التالية – إن صحت – تبين موقفاً رائعاً ودقيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم مع أحد أصحابه ويظهر من خلال القصة المتابعة المستمرة من المربي للمخطئ إلى حين تخليه عن موقفه الخاطئ :
عن خوات بن جبير رضي الله عنه قال : نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ( موضع بقرب مكة) قال : فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن ، فأعجبني ، فرجعت فاسترجعت عيبتي ( وعاء توضع فيه الثياب ) فاستخرجت منها حلة فلبستها وجئت فجلست معهن ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبا عبدالله فلما رأيت رسول الله هبته واختلطت قلت : يارسول الله جمل لي شرد وأنا أبتغي له قيداً فمضى واتبعته فألقى الي رداءه ودخل الأراك كأني أنظر الى بياض متنه في خضر الأراك ، فقضى حاجته وتوضأت وأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره ، فقال :أبا عبداللهما فعل شراد جملك ؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال : السلام عليك أبا عبدالله ما فعل شراد ذلك الجمل ؟ فما رأيت ذلك تعجلت الى المدينة واجتنبت المسجد ومجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، فما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد فخرجت الى المسجد وقمت أصلي وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال : طول أبا عبدالله ما شئت أن تطول قائما حتى تنصرف ، فقلت في نفسي : والله لأعتذرن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبرئن صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفت قال : السلام عليك أبا عبدالله ما فعل شراد جملك ؟ فقلت : والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت . فقال : رحمك الله ثلاثاً ، ثم لم يعد لشيء مما كان .